الزهراء " مشرفة اقسام "
عدد المساهمات : 265 تاريخ التسجيل : 07/09/2009
| موضوع: أداب طالب العلم السبت أكتوبر 10, 2009 5:14 pm | |
| بســــــــــم الله الرحمــــــن الرحيــــــم
أداب طالب العلم
إن كثيرا من الأمور العظيمة تفسد من أجل اليسير من الأمور و ان العلم الذى هو أول ما يعقد عليه الخنصر فى الدين و اليقين , ليفسده اضطراب التلقى لفقد الاداب من المتعلمين.
و بين يديكم جملة ما يلزم طالب العلم من آداب اسأل الله أن ينفعنا به و المسلمين و أن يجعله حجة لنا لا علينا
(1) إخلاص النية لله فى طلب العلم
فى الحديث المتفق على صحته : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرىء ما نوى , فمن كانت هجرته الى الله و رسوله فهجرته الى الله و رسوله , و من كان هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه " أخرجه البخارى فى أول صحيحه.
و قد تقرر فى الشرع ان الله لا يقبل من العبادات الا ما كان خالصا لوجهه الكريم . و العلم عبادة من العبادات و قربة من القرب , فان خلصت فيه النية قبل و زكى و نمت بركته , و ان قصد به غير وجه الله تعالى حبط و ضاع و خسرت صفقته.
قال ابن القيم رحمه الله : " كما أنه إله واحد لا إله سواه , فكذلك ينبغى ان تكون العبادة له وحده لا شريك له , فكما تفرّد بالألوهية يجب أن يفرّد بالعبودية , فالعمل الصالح هو الخالص من الرياء المقيّد بالسنة "
فعلى طالب العلم ان يحسن نيته فى طلبه
و حسن النية فى طلب العلم :
- أن يقصد به وجه الله تعالى , و العمل به - احيــــــــاء الشريعة - تنــــويــــــر قلـــبه - تحلية باطنه - القرب من الله تعالى يوم القيامة - التعرّض لما اعد لأهله من رضوانه و عظيم فضله
قال سفيان الثورى - رحمه الله - : ما عالجت شيئا أشد علىّ من نيتى و لا يقصد به الأغراض الدنيوية من تحصيل الرياسة و المال و الجاه , و مباهاة الأقران و تعظيم الناس له , و تصديره فى المجالس و نحو ذلك
و عن ابن عمر رضى الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم - : " من طلب العلم ليباهى به العلماء , و يمارى به السفهاء , أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو فى النار " رواه ابن ماجه و صححه الألبانى فى " صحيح الترغيب و الترهيب "
(2) تفريغ القلب للعلم
و ذلك يكون بقطع العلائق و تذليل العوائق
يقول ابن القيم -رحمه الله- : و أما العوائق فهى أنواع المخالفات ظاهرها و باطنها , فانها تعوق القلب عن سيره الى الله , و تقطع عليه طريقه, و هى 3 أمور :
- شرك -بدعة - معصية
فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد , و عائق البدعة بتحقيق السنة , و عائق المعصية بتصحيح التوبة.
و أما العلائق فهى كل ما تعلق به القلب دون الله و رسوله من ملاذ الدنيا , و شهواتها , و رياستها , و صحبة الناس , و التعلق بهم.
فعلى طالب العلم أن يكون عظيم الرغبة فى الآخرة و ما عند الله , شديد التعلق بالمطلب العلى و المقصد الأسنى , فان فى العلم شغلا عن متاع الحياة و زخرفها . و انها أيام قلائل.
قال أبو يوسف القاضى رحمه الله : العلم شىء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك , و أنت إذ تعطيه كلك من إعطائه البعض على غرر
و أهديت الى أبى بكر النبارى جارية , فلما دخلت عليه تفكّر فى استخراج مسألة فعزبت عنه ( أى بعدت ) , فقال : أخرجوها الى النخّاس ( بائع الرقيق ) , فقالت : هل لى من ذنب ؟! قال : لا , الا أنقلبى اشتغل بك , و ما قدر مثلك أن يمنعنى من العلم
و قال الشافعى - رحمه الله- : لا يطلب أحد هذا العلم بالملك و عز النفس فيفلح , و لكن من طلبه بذلّ النفس و ضيق العيش و خدمة العلماء أفلح
(3) الأخذ بالورع
و مدار الأمر على أخذ النفس بالورع فى كل حين و حال , و الورع من منازل السائرين الى الله تعالى .
يقول ابن القيّم - رحمه الله - : " و قد جمع النبى (صلى الله عليه و سلم ) الورع كله فى كلمة واحدة : " من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه "
فهذا يعم الترك لما لا يعنى : من الكلام و النظر و الاستماع و البطش و المشى و الفكر و سائر الحركات الظاهرة و الباطنة , فهذه الكلمة كافية شافية فى الورع. و قد حض على ذلك رسول الله - صلى الله عليه و سلم - فيما رواه عن الشيخان عن النعمان بن بشير - رضى الله عنهما - قال : قال النبى - صلى الله عليه و سلم - " الحلال بيّن , و الحرام بيّن , و بينهما امور مشتبهة , فمن ترك ما شبّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك , و من اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان , و المعاصى حمى الله, من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه " متفق عليه و اللفظ للبخارى .
قال البغوى - رحمه الله - هذا الحديث أصل فى الورع , و هو أن ما اشتبه على الرجل أمره فى التحليل و التحريم , و لا يعرف له أصل متقدم , فالورع أن يجتنبه و يتركه , فانه اذا لم يجتنبه , و استمر عليه و اعتاده جرّه ذلك الى الوقوع فى الحرام ,
و جملة الشبه العارضة فى الأمور قسمان : أحدهما : ما لا يعرف له أصل فى تحليل و لا تحريم , فالورع تركه و الثانى : أن يكون له أصل فى التحليل أو التحريم , فعليه التمسك بالأصل و لا ينزل عنه الا بيقين علم .
و ذلك مثل : الرجل يتطهر للصلاة ثم يشك فى الحدث , فانه يصلى ما لم يعلم الحدث يقينا . و كذلك الماء يجده فى الفلاة يشك فى نجاسته , فهو على الأصل من الطهارة , فعليه التمسك به حتى لا يقع فى الوسواس .
فعلى طالب العلم أن يأخذ نفسه بالورع فى جميع شأنه , و يتحرى الحلال فى طعامه و شرابه و لباسه و مسكنه , و فى جميع ما يحتاج اليه هو و عياله , ليستنير قلبه و يصلح لقبول العلم و نوره و النفع به .
و يقتدى بمن سلف من العلماء الصالحين فى التورع عن كثير ممن كانوا يفتون بجوازه , و أحق من اقتدى به فى ذلك نبينا محمد - صلى الله عليه و سلم - اذ مر بتمرة مسقوطة فقال " لولا أن تكون صدقة لأكلتها " و اللفظ للبخارى
و لأن أهل العلم يقتدى بهم و يؤخذ عنهم , فاذا لم يستعملوا الورع فمن يستعمله ؟؟؟ (4) أكل القدر اليسير من الحلال
قال ابن جماعة - رحمه الله - : " من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال و الفهم و عدم الملال : أكل القدر اليسير من الحلال.
قال الشافعى - رحمه الله - : ما شبعت منذ ست عشرة سنة , و سبب ذلك أن كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب , و كثرته جالبة لنوم و البلادة و قصور الذهن و فتور الحواس و كسل الجسم , هذا مع ما فيه من الكراهية الشرعية , و التعرض لخطر الأسقام البدنية , كما قيل : فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب
و قال ابن قدامة - رحمه الله - : " شهوة البطن من أعظم المهلكات , و بها أخرج آدم عليه السلام من الجنة , و من شهوة البطن تحدث شهوة الفرج و الرغبة فى المال , و يتبع ذلك آفات كثيرة كلها من بطر الشبع .
و قال عقبة الراسبى : دخلت على الحسن و هو يتغدّى , فقال : هلمّ , فقلت : أكلت حتى لا أستطيع , فقال : سبحان الله , أو يأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل ؟؟؟!!!!!!!!
و مقام العدل فى الأكل رفع اليدين مع بقاء شىء من الشهوة , فالأكل فى مقام العدل يصح البدن و ينفى المرض , و ذلك أن لا يتناول الطعام حتى يشتهيه ....ثم يرفع يده و هو يشتهيه.
(5) ترك العشرة ما أمكن و اختيار الصاحب و الرفيق
تنازع الناس قديما في مسألة الخلطة و العزلة , فاختار قوم جانب الخلطة مطلقا و رجّحوه , و اختار قوم جانب العزلة مطلقا و رجّحوه .
و حسم شيخالإسلام ابن تيمية –رحمه الله – الأمر و فصل في النزاع فقال : هذه المسألة و إن كان الناس يتنازعون فيها , إما نزاعا كليا و إما حاليا . فحقيقة الأمر أن الخلطة تارة تكون واجبة أو مستحبة و الشخص الواحد قد يكون مأمورا بالمخالطة تارة و بالانفراد تارة .
و جماع ذلك :
أن المخالطة : إن كان فيها تعاون على الإثم و العدوان فهي منهي عنها . فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات , كالصلوات الخمس و الجمعة و العيدين و صلاة الكسوف و الاستسقاء و نحو ذلك , هو مما أمر الله به رسوله – صلى الله عليه و سلم –
و كذلك الاختلاط بهم في الحج و في غزو الكفار و الخوارج المارقين , و إن كان أئمة ذلك فجّارا , و إن كان في تلك الجماعات فجّار, و كذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانا : إما لانتفاعه به و إما لنفعه له , و نحو ذلك .
و لابد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه و ذكره و صلاته و تفكره و محاسبة نفسه و إصلاح قلبه و ما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره , فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه , إما في بيته كما قال طاوس : " نعم صومعة الرجل بيته , يكفّ فيها بصره و لسانه " , و إما في غير بيته .
و قد كان الأئمة رحمهم الله يخالطون الناس و يعلمونهم و هم في ذات الوقت احرص الناس على أزمانهم أن تضيع هدرا أو تذهب سدى .
فالعشرة و المخالطة لا تكون لميت القلب ...فهو قاطع الطريق , و إنما تكون لمن يزيد حاله في حالك و عمله في عملك .
قال ابن القيّم – رحمه الله - : " و اعلم أن الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به إلا فوت نصيبك و حظك من الله عز وجل , و انقطاعه عنك , و ضياع وقتك عليك , و ضعف عزيمتك , و تفرّق همّك .
فإذا بليت بهذا- و لابد لك منه – فعامل الله تعالى فيه و احتسب عليه ما أمكنك , و تقرب إلى الله بمرضاته فيه , و اجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة , و كن معه كرجل سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره , فاجتهد أن تأخذه معك و تسير به فتحمله و لا يحملك , فإن أبى و لم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه و دعه و لا تلتفت إليه فانه قاطع الطريق و لو كان من كان , فانج بقلبك , و ضنّ بيومك و ليلتك , لا تغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فتؤخذ ."
و قال ابن قدامة - رحمه الله - تعالى : " و اعلم أنه لا يصلح للصحبة كل أحد , و لابد أن يتميز المصحوب بصفات و خصال يرغب بسببها فى صحبته .
و ينبغى أن تكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال :
أن يكون عاقلا , حسن الخلق , غير فاسق , و لا مبتدع , و لا حريص على الدنيا.
# أما العقل : فهو رأس المال , و لا خير فى صحبة الأحمق , لأنه يريد أن ينفعك فيضرك , و نعنى بالعاقل الذى يفهم الأمور على ما هى عليه , إما بنفسه و أما ان يكون بحيث اذا أفهم ( بضم الهمزة و كسر الهاء )فهم
# و اما حسن الخلق - فلا بد منه . إذ رب عاقل يغلبه غضب أو شهوة فيطيع هواه فلا خير فى صحبته .
# و أما الفاسق : فإنه لا يخاف الله , و من لا يخاف الله تعالى لا تؤمن غائلته و لا يوثق به .
# و أما المبتدع : فيخاف من صحبته بسراية بدعته . قال يحيى بن معاذ : بئس الصديق تحتاج أن تقول له : اذكرنى فى طعائك , و أن تعيش معه بالمداراة , أو تحتاج أن تعتذر إليه.
فعلى طالب العلم أن يحرص على اجتناب من لا تلزمه خلطته شرعا حتى يحفظ زمانه , و يرعى قلبه , و عليه أن يختار الشريك الذى يعينه على أمر دينه و آخرته ,
و فد قال الخوارزمى : لا تصحب الكسلان فى حالاته كم صالح بفساد آخر يفسد
( 6) اختيار العلم و الشيخ
قال ابن القيّم - رحمه الله - : " ان شرف العلم تابع لشرف معلومه , لوثوق النفس بأدلة وجوده و براهينه , و لشدة الحاجة الى معرفته و عظم النفع بها , و لا ريب أن أجلّ معلوم و أعظمه و أكبره فهو الله الذى لا اله الا هو رب العالمين , و قيوم السماوات و الأرضين , الملك الحق المبين , الموصوف بالكمال كله , المنزه عن كل عيب و نقص , و عن كل تمثيل و تشبيه فى كماله.
و لا ريب أن العلم بالله و بأسمائه و صفاته و أفعاله أجلّ العلوم و أفضلها , و نسبته الى سائر العلوم كنسبة معلومه الى سائر المعلومات ,
و كما ان العلم به أجلّ العلوم و أشرفها , فهو أصلها كلها كما ان كل موجود فهو مستند فى وجوده الى الملك الحق المبين ومفتقر اليه فى تحقيق ذاته , و كل علم فهو تابع للعلم به مفتقر فى تحقق ذاته اليه
فالعلم به أصل كل علم كما انه سبحانه رب كل شىء و مليكه و موجده.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول و بين رأى فلان
و رحم الله الامام الشافعى اذ يقول : كل العلوم سوى القرآن مشغلة الا الحديث و الا الفقه فى الدين العلم ما كان فيه قال حدّثنا و ما سوى ذاك وسواس الشياطين
فهذا عن اختيار العلم
اما عن اختيار الشيخ......
و على طالب العلم أن يجتهد فى اختيار الشيخ " فينبغى أن يختار الأعلم و الأورع و الأسنّ كما اختار أبو حنيفة رحمه الله تعالى حمّاد بن سليمان رحمه الله , بعد التأمل و التفكر , قال : : وجدته شيخا وقورا حليما صبورا , و قال : " ثبتّ عند حمّاد بن سليمان فنبتّ "
و قد أخرج مسلم رحمه الله فى مقدمة صحيحه بسنده عن محمد بن سيرين قال : " إن هذا العلم دين , فانظروا عمّن تأخذون دينكم "
و قال ابن جماعة رحمه الله : " ينبغى للطالب أن يقدم النظر , و يستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه , و يكتسب حسن الأخلاق و الآداب منه , و ليكن إن أمكن ممن كملت أهليته و تحققت شفقته , و ظهرت مروءته و عرفت عفته , و اشتهرت صيانته , و كان احسن تعليما و أجود تفهيما , و لا يرغب الطالب فى زيادة العلم مع نقص فى ورع أو دين أو عدم خلق جميل .
و ليجتهد أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الاطلاع , و له مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث و طول اجتماع , لا ممن أخذ من بطون الأوراق , و لم يعرف بصحبة المشايخ الحذّاق
قال الشافعى رضى الله عنه : و من تفقه من بطون الكتب ضيّع الأحكام و كان بعضهم يقول : من أعظم البليّة تشيّخ الصحيفة , أى الذين تعلموا من الصحف " و أخرج الخطيب رحمه الله بسنده عن مغيرة عن ابراهيم قال : " كانوا اذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه , نظروا الى سمته, و الى صلاته , و الى حاله , ثم يأخذون عنه "
و عن الثورىّ قال : " من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بماسمع , و من صافحه فقد نقض الاسلام عروة عروة "
و عن مالك بن أنس قال : لا يؤخذ العلم من أربعة , و يؤخذ ممن سوى ذلك : - لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه و ان كان أروى الناس - و لا تأخذ من كذاب يكذب فى أحاديث الناس , إذا جرب ذلك عليه , و ان كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه و سلم - - و لا من صاحب هوى يدعو الناس الى هواه - و لا من شيخ له فضل و عبادة , اذا كان لا يعرف ما يحدِّث (7) التزام الأدب التام مع شيخه و قدوته
و قد كان السلف رضى الله عنهم يعظّمون من يتعلمون منهم تعظيما شديدا , و آثارهم فى ذلك شاهدة على آدابهم فى مجالس التعليم , و على توقيرهم لمعلّميهم .
و قد أخرج الخطيب -رحمه الله- كثيرا من تلك الآثار فساق بسنده : " عن مغيرة, قال : كنّا نهاب إبراهيم النخعى كما يهاب الأمير "
و عن أيوب قال : كان الرجل يجلس الى الحسن ثلاث سنين , فلا يسأله عن شىء هيبة له .
و عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمى قال : ما كان انسان يجترىء على سعيد بن المسِّيب يسأله عن شىء ...حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير
فعلى طالب العلم أن ينقاد لشيخه فى أموره و لا يخرج عن رأيه و تدبيره, بل يكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر , فيشاوره فيما يقصده , و يتحرى رضاه فيما يتعمده , و يبالغ فى حرمته , و يتقرب الى الله تعالى بخدمته , و يعلم أن ذله لشيخه عز , و خضوعه له فخر و تواضعه له رفعة .
و على طالب العلم أن ينظر شيخه بعين الاجلال , فإن ذلك أقرب الى نفعه به , و كان بعض السلف اذا ذهب الى شيخه تصدّق بشىء , و قال : اللهم استر عيب شيخى عنى , و لا تذهب بركة علمه منى
و قال الشافعى - رحمه الله - : كنت أصفح الورقة بين يدى مالك - رحمه الله - صفحا رقيقا هيبة له لئلا يسمع وقعها .
و قال الخطيب :" يقول : أيها العالم , أيها الحافظ , و نحو ذلك : ما تقولون فى كذا ؟ و ما رأيكم فى كذا؟ و شبه ذلك ...و لا يسميه فى غيبته أيضا باسمه , الا مقرونا بما يشعر بتعظيمه , كقوله : قال الشيخ , أو الأستاذ , أو قال شيخنا : كذا.
و عليه أن يعرف للشيخ حقه , و لا ينسى فضله , و أن يعظِّم حرمته , و يردّ غيبته , و يغضب لها . فإن عجز عن ذلك قام و فارق ذلك المجلس .
و ينبغى أن يدعو للشيخ مدة حياته , و يرعى ذريته و أقاربه و أودّاءه بعد وفاته , و يتعمد زيارة قبره و الاستغفار له و الصدقة عنه , و يسلك فى السمت و الهدى مسلكه , و يراعى فى العلم و الدين عادته , و يقتدى بحركاته و سكناته فى عاداته و عباداته , و يتأدب بأدابه , و لا يدع الاقتداء به " قال ابن جماعة - رحمه الله - : " على طالب العلم أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق , و لا يصده ذلك عن ملازمته , و يتأول أفعاله التى يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل , و يبدأ هو عند جفوة شيخه بالاعتذار , و التوبة مما وقع و الاستغفار ,و ينسب الموجب اليه و يجعل العتب عليه , فان ذلك أبقى لمودة شيخه , و احفظ لقلبه , و أنفع للطالب فى دنياه و آخرته
و عن بعض السلف : من لم يصبر على ذل التعليم بقى عمره فى عماية الجهالة , و من صبر عليه آل امره الى عز الدنيا و الآخرة .
و عن ابن عباس رضى الله عنه قال : ذللت طالبا فعززت مطلوبا "
و قال الشافعى رحمه الله : اصبر على مر الجفا من معلم فان رسوب العلم فى نفراته و من لم يذق مّر التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته و من فاته التعليم وقت شبابه فكبِّر عليه أربعا لوفاته
و ليحذر طالب العلم أشد الحذر أن يمارى أستاذه , فان المراء شر كله , و هو مع شيخه و قدوته أقبح , و أبعده من الخير , و أوغل فى الشر , و هو سبب للحرمان من كثير من الخير .
فعن ميمون بن مهران - رحمه الله - قال : لا تمار من هو أعلم منك , فاذا فعلت خزن عنك علمه , و لم تضره شيئا
أختكم /أم عبد الرحمن
| |
|